
وسط التحول الرقمي المتسارع الذي يشهده العراق، وجدت آلاف المتاجر الإلكترونية نفسها أمام واقع جديد فرضته الضرائب على “التجارة الإلكترونية”، في خطوة تهدف إلى تنظيم السوق وتوسيع قاعدة الإيرادات العامة للدولة.
هذه الإجراءات التي تندرج ضمن مساعي الإصلاح الاقتصادي، أثارت في المقابل قلق العديد من الشباب ورواد الأعمال، الذين رأوا فيها عبئاً إضافياً يهدد مشاريعهم الناشئة ويقيد قدرتهم على المنافسة في سوق تعتمد على الأسعار التفضيلية والعروض الجذابة.
وفي 28 من كانون الثاني/يناير من العام الجاري، صادق مجلس الوزراء على مشروع نظام تنظيم التجارة الإلكترونية، في خطوة تهدف إلى تطوير هذا القطاع المتنامي وتسهيل إجراءاته.
ويأتي هذا القرار ضمن مساعي الحكومة لضبط عمليات البيع والشراء عبر الإنترنت على مستوى البلاد، بما يضمن توحيد الضوابط القانونية وتنظيم نشاط المتاجر والمنصات الإلكترونية ضمن إطار رسمي أكثر شفافية وانضباطاً.
وبحسب التصريحات الحكومية، فسيتعين على العاملين في قطاع التجارة الإلكترونية الحصول على إجازات رسمية عبر منصة إلكترونية خصصتها وزارة التجارة لهذا الغرض.
تأثيرات سلبية على التجارة
ويتحدث عماد حسن، وهو شاب يمتلك متجراً إلكترونياً لبيع الألبسة، عن تجربته مع تطبيق الضرائب الجديدة، واصفاً إياها بأنها “تجربة سلبية أثرت على نشاطه التجاري”.
“قبل فرض الضرائب كنا نتمكن من تقديم أسعار تنافسية وجذب الزبائن بسهولة، لكن بعد التطبيق ارتفعت الكلفة التشغيلية بنسبة كبيرة، ما أجبرنا على رفع الأسعار وتقليل العروض الترويجية”، والكلام لحسن خلال حديثه لمنصة “أجيال”.
ويتابع حديثه قائلاً إن “هذا الأمر انعكس مباشرة على المبيعات، وتراجعت أرباحنا إلى أقل من النصف خلال أشهر قليلة”، مبيناً “الإجراءات الضريبية تحتاج إلى دراسة أعمق ودعم موازٍ من الحكومة”.
ويوضح حسن، أن الضرائب بهذا الشكل قد تدفع بعض أصحاب المتاجر الصغيرة إلى العمل خارج الإطار الرسمي لتجنب الخسائر”، داعياً إلى “تطبيق تدريجي يأخذ بعين الاعتبار القدرة المالية المحدودة للشباب ورواد الأعمال الجدد”.
كما يُلزم النظام الجديد التجار بتقديم معلومات دقيقة وشفافة عن منتجاتهم وخدماتهم، إضافة إلى حماية بيانات العملاء والإبلاغ الفوري عن أي خرق أمني، وفقاً لمعلومات قدمتها جهات حكومية.
خلف تنافس عادل
في المقابل، يقول محمد حنون الحمداني، المتحدث باسم وزارة التجارة، لمنصة “أجيال”، إن “التحول نحو فرض ضرائب على هذا القطاع يمكن أن يُفهم من زاويتين أساسيتين الأولى زاوية الإصلاح الاقتصادي”.
ويضيف أن “هذه الضرائب تمثل خطوة نحو إدخال التجارة الإلكترونية في الاقتصاد الرسمي، بما يضمن عدالة التنافس بين المتاجر الإلكترونية والتقليدية، كما تسهم في توسيع قاعدة الإيرادات العامة للدولة وتساعد على ضبط السوق والحد من الغش التجاري أو التهرب الضريبي”.
ووفقاً للحمداني، فإن هذا الإجراء ينسجم مع توجهات الحكومة نحو إصلاح المنظومة المالية وتحقيق الشفافية في التعاملات التجارية.
اما الزاوية الثانية وهي التحدي الاجتماعي والاقتصادي، والكلام للمتحدث الحكومي، الذي أكد أن العديد من الشباب ورواد الأعمال يخشون أن تتحول الضرائب إلى عبء إضافي على مشاريعهم الصغيرة التي تعتمد على الإنترنت كمنفذ بديل في ظل ضعف فرص العمل.
ويشير إلى أن غياب الآليات الداعمة الموازية مثل الإعفاءات المؤقتة أو القروض الميسّرة قد يجعل هذه الإجراءات تحدياً حقيقياً أمام المبادرات الشبابية، مؤكداً أهمية أن ترافق هذه الخطوة سياسات تيسير وتشجيع تضمن استمرار روح الابتكار والمنافسة.
وازدهرت التجارة الإلكترونية في العراق بشكل غير مسبوق منذ تفشي جائحة كورونا، التي شكّلت نقطة تحوّل في سلوك المستهلكين وأنماط البيع والشراء. فمع القيود الصحية وإغلاق المتاجر التقليدية، اتجه العراقيون على نطاق واسع نحو التسوّق عبر الإنترنت، ما أدى إلى توسّع سريع في هذا القطاع في مختلف المحافظات.
خطوة للتخلص من النفط
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي أحمد عيد، أن فرض الضرائب على التجارة الإلكترونية يعد خطوة إصلاحية حذرة يمكن أن تسهم في تنويع مصادر الدخل الوطني وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، مشيراً إلى أن الحكومة تحاول تغطية بعض عيوبها المالية من خلال فتح منافذ جديدة لاستحصال الأموال التي يمكن أن تدعم إيرادات الدولة.
وفي حديث لمنصة “أجيال”، يضيف عيد، أن “هذا التوجه يُعد هدفاً استراتيجياً للاقتصاد العراقي في ظل تقلبات أسعار النفط”، موضحاً أن “الإجراء يمثل تعزيزاً لدمج الاقتصاد الرقمي في المنظومة الرسمية، بما يسمح للدولة برسم النشاط الاقتصادي وتنظيمه وتحقيق العدالة الضريبية بين البائعين عبر الإنترنت والتجار التقليديين”.
ويلفت إلى “ضرورة التعامل بحذر مع هذه الخطوة”، مؤكداً أن “فرض الضرائب دون دراسة دقيقة لقدرات السوق الرقمية قد يؤدي إلى نتائج عكسية، مثل تباطؤ المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تُعد محوراً أساسياً في خلق فرص العمل للشباب”.
ويختتم الخبير الاقتصادي حديثه بالتأكيد على أن “النجاح الاقتصادي يكمن في تحقيق التوازن بين التحصيل والإنتاج”، لافتاً إلى “ضرورة أن تضع الدولة نظاماً ضريبياً تصاعدياً عادلاً يقدم إعفاءات مؤقتة للمشاريع الناشئة ويشجع الامتثال الطوعي، لتتحول الضريبة من عبء إلى أداة تحفيزية للنمو تسهم في بناء اقتصاد رقمي مستدام قادر على المنافسة في السوق”.
واحتل العراق المرتبة العاشرة على مستوى الدول العربية، و86 عالمياً، من حيث سهولة ممارسة أعمال التجارة الإلكترونية والرقمية، وفقاً لمؤشر ثقة الاستثمار العالمي لعام 2024.
وجاء العراق في المرتبة 86 عالمياً من حيث سهولة ممارسة أعمال التجارة الإلكترونية والرقمية، إذ بلغت نسبة القوى العاملة فيه 40.63 نقطة، وإمكانية التسوق 83.08 نقطة، فيما احتل المرتبة العاشرة عربياً بعد كل من الإمارات والسعودية والأردن ولبنان ومصر والمغرب والبحرين والكويت وعُمان.




